العلمانية في تعريفها العام و البسيط هي فصل الدين عن السياسة لكنها أعمق من أن تكون فصلا سطحيا بين المجالين المنفصلين أصلا بحكم طبيعتهما المتناقضة بل إن هذا الفصل يلامس شتى المجالات السياسية و الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية و هي دعوة للحداثة و التنوير و المساواة و الحريات العامة و بناء دولة المواطنين و الإحتكام للعقل و المنطق و بالتالي فالعلمانية هي الوجه الأخر للدمقراطية و لا وجود لأحدهما دون الأخر فالدين هو حكم الله و الدمقراطية هي حكم الشعب هذا من ناحية و من ناحية أخرى فهي التفكير الذي يعتبر الدين مسألة شخصية بين الإنسان و خالقه هو يعاقبه و هو يكافئه و هي ضد إستغلال الدين في السياسة فالدين مقدس و ثابت على مر العصور لا يقبل الخطأ لأنه من عند الله تعالى أما السياسة فهي مجموعة من القوانين و المفاهيم الوضعية تتغير حسب الظروف و تقبل الخطأ أكثر مما تقبل الصواب لذلك أرى إستحالة ربط الثابت بالمتحول المطلق بالنسبي هما كالماء و الزيت لا يمكن أن يختلطا و أفضل مثال يمكن أن نستدل به على ما يمكن أن يقع في حالة تداخل المجالين هو ما حصل في فترة الحكم الراشدي بين الصحابة المبشرين بالجنة و قد بدأ الصراع بإغتيال عثمان بن عفان حين رفض التنازل عن الحكم بعد إرتفاع الأصوات المطالبة بعزله و عزل ولاته من بني أمية بسبب إستبدادهم و نهبهم لأموال المسلمين فتمت تصفيته و هو يقرأ القرآن و له من العمر فوق الثمانين سنة و تم دفنه في بداية الأمر في مقبرة لليهود دون الصلاة على جثمانه الذي قطعته سيوف الصحابة و المؤمنين هذا محصل لعثمان رضي الله عنه و المبشر بالجنة حين إختلطت الرغبة في الحكم و السلطة بالدين سواء من جهته أو من جهة قاتليه و أدى هذا إلى تحميل علي بن أبي طالب المسؤولية و إندلاع حرب الجمل بينه و بين عائشة و طلحة بن عبيد الله و الزبير بن العوام هذان الأخيران قتلا أيضا ثم بعد ذلك يأتي الصراع بين علي و معاوية من أجل الحكم أيضا لكن بمبررات دينية و كانت نتائج هذا الصراع أخطر أثرا على تاريخ الإسلام و حاضره و مستقبله بعد ظهور المذهب الشيعي و السني و لازلنا نعاني من هذا الإنقسام إلى الأن إن كل هذه الصراعات الدامية تمت بإسم الغيرة على دين المسلمين بينما هي في الأصل صراع للمصالح السياسية أستغل فيها الدين لجمع المأيدين لكل مشروع سياسي في الأخير يبدو من السداجة بمكان أن نقول بوجود علاقة بين الديني و السياسي بين المطلق و النسبي قد تكون هذه العلاقة ممكن إن وجد مجتمع من الملائكة و ليس في مجتمع بشري مستعد لتدنيس المقدس من أجل مصالحه و أهدافه فإن أردنا الحفاظ على الدين كما أنزله الله تعالي فعلينا إبعاد السياسة و بتعبير أشمل إبعاد الدولة عنه لكي لا يتم تحريفه و توجيهه حيث تكمن المصالح السياسية المتغيرة و ليس حيث يجب أن يكون إذن فصل الدين عن السياسة هو أولا و أخيرا في صالح الدين