الفقر أمر نسبي وهو بمفهوم عام عجز موارد الشخص عن الوفاء
بمتطلباته في زمان ومكان معينين .
لقد تعددت الدراسات في دول مختلفة
انتهت إلى القول بأن الفقر هو البيئة التي تتهيأ فيها كل الفرص لارتكاب
الجريمة وأن الأوضاع الاقتصادية المنحدرة والأحياء الفقيرة هي التي تنتج
أحداث منحرفون أو معرضين للانحراف أكثر من غيرها .
وحللّ التأثير
الإجرامي للفقر والذي ينحصر في جرائم الأموال بشكل خاص بأن ارتفاع الدخل
والغنى يعني زيادة القدرة على إشباع الحاجات الأساسية بالوسائل المشروعة
أما هبوط الدخل والفقر فيعني تناقص هذه القدرة وهذا ما يدعو للبحث عن
الوسيلة لإشباع الحاجات السابقة وذلك بالوسائل غير المشروعة .
إلا
أنني أرى هذا التحليل بعيد عن الواقع ولا يحتوي على دقة وحقيقة كافية لكي
يكون معيار عام ومقياس مأخوذ به لأن تأثير التكوين الثقافي والاجتماعي
للآباء على الأبناء / الأحداث / هو الذي له الدور الرئيسي في دفعهم إلى
الإجرام أكثر من تأثير الفقر والوضع الاقتصادي المنحدر بالإضافة إلى أن
هناك بعض الدول النامية والفقيرة هي أقل إجراماً من غيرها .كما أن الفقر
يكون أحيانا الدافع للنبوغ والتفوق وليس بالضرورة أن يكون حجة في السير
بطريق الانحراف وسلوك الجريمة .
صحيح بأن بعض الدراسات دلت على
ارتفاع نسبة الفقراء بين المجرمين ولكنها لم تقل بأن كل الفقراء مجرمين
وبالمقابل فإنها أثبتت وجود نسبة من المجرمين الأغنياء . وبالتالي نستنتج
من خلال تناقض هذه الأبحاث واختلاف هذه النتائج أنه يجب استبعاد عامل الفقر
كعامل أساسي ورئيسي للإجرام إلا أن هذا الاستبعاد لا يقودنا إلى نفي أي
علاقة بينهما بل هناك علاقة غير مباشرة تحدثها الآثار الشخصية والاجتماعية
التي تصاحب الفقر .
تتمثل الآثار الشخصية بأن الفقراء غالباً ما
ينجبون ذرية ضعيفة وقد يزداد سوء حالتهم بسبب سوء التغذية فيعتريهم الوهن
في أجسامهم ونفوسهم وهذا قد يصيبهم بأمراض عضوية أو عقلية قد تدفعهم هذه
الأمراض أحياناً إلى طريق الجريمة .
أما الآثار الاجتماعية فتتمثل
في أن الفقر قد يحول بين المرء وبين متابعة دراسته وتعليمه فإذا به ملقى في
الطريق تتلقفه الصحبة السيئة التي تزين له الشارع وتدفعه إليه وتخرطه
أحياناً ضمن عصابات منظمة وذلك كعصابات الأحداث في مختلف دول العالم مثل
عصابة القمصان السود في فرنسة. خاصة عندما ينصرف الأبوين عن رعاية أبنائهم
وتربيتهم لانشغالهم في تدبير أسباب الحياة لأسرة قد تكون كبيرة العدد مما
يدفع بعضهم إلى الانحراف وليس السبب في ذلك الفقر مباشرة إنما السبب هو ما
اكتنفت حياتهم من ظروف شخصية واجتماعية فهذه الظروف المصاحبة هي العوامل
المباشرة في إجرامهم . أما الفقر نفسه فلا يعدو أن يكون عاملاً غير مباشر
موضوع بسيط ارجو ان ينال اعجابكم